"طامح" الموظف البسيط والأزمة المالية العالمية - قصة قصيرة ، تكملة

 لقراءة الجزء الأول اضغط هنا

الجزء الثاني :
لحظات السعادة في هذه الحياة عادة ما تكون قصيرة ، فبعد أشهر معدودات قام البنك المركزي برفع أسعار الفائده ، ولكن ما علاقة صديقنا طامح بهذا ، فقد وقع عقد القرض قبل أن يقوم البنك المركزي بهذه الخطوة ، ولكن للأسف لم يقم طامح بقراءة عقد القرض كاملا ، ومن منا يفعل ذلك ؟ وخصوصا هذا الكلام المكتوب بخط صغير في هوامش العقد . لم يعلم طامح أن للبنك الحق في رفع سعر الفائدة عندما يرفعها البنك المركزي ، وهنالك فقرة أخرى تقول أنه إذا تأخر المقترض عن دفع أي دفعة فإن أسعار الفوائد تتضاعف ، كما أن هنالك فقرى تقول أن المدفوعات الشهرية خلال السنوات الثلاث الأولى تذهب كلها لسداد الفوائد ، مما يعني أن المدفوعات لا تذهب إلى ملكية جزء من البيت إلا بعد مرور هذه المدة .


بدأت حال صديقنا بالتدهور ، فعندما رفع البنك المركزي سعر الفائدة ارتفع القسط الشهري للبيت إلى 200 دينار، فلم يستطع طامح سداد القسط وتأخر عن الدفع ، فارتفعت الدفعات مباشرة إلى 250 دينار شهريا حسب شروط العقد، ولم يستطع طامح أن يدفع شيئا فتراكمت الدفعات وفوائدها وفوائد التأخير ، وهكذا أصبح المسكين بين خيارين ، إما إطعام عائلته وإما دفع الدفعات الشهرية ، وطبعا اختار العائلة وتوقف عن الدفع . لم يكن طامح هو الشخص الوحيد ، فزميله فهمان طرد من بيته لعدم قدرته على الوفاء بالأقساط وعاد ليعيش مع أمه ، ولما لم يكن لطامح مكان يلجأ إليه فقرر أن يبقى في البيت إلى أن تاتي الشرطة وتطرده منه. قصة طامح وصديقه لم تكن فريدة من نوعها ، فكثير هم اصحاب الدخل المحدود الذين حلموا بالبيت ، ولكنهم في النهاية فقدوا بيوتهم ومعها أحلامهم ، هم الآن في العراء . في النهاية إنهار سوق العقار لكثرة البيوت الفارغة والمحجوز عليها من قبل البنوك ، ونزل سعرها إلى الحضيض.

بنك الرحمة الذي قدم القرض لطامح وفهمان وغيرهما الكثير ، كان "فهلويا" ، حيث أنه من المفروض أن يحقق هذا البنك أرباحه من خلال فوائد القرض الذي قدمه لطامح وغيره، ولكنه لم يتوقف عند هذا الحد ، فقد قام بنك الرحمة ببيع القرض على شكل سندات لمستثمرين من أنحاء العالم وأخذ عمولات ورسوم خدمات وحول المخاطر إلى المستثمرين . المستثمرون الآن يملكون سندات مدعومة بعقارات ، ويحصلون على عوائد مصدرها مدفوعات طامح وفهمان الشهرية وغيرهما بالطبع ، وحتى لو أفلس طامح وفهمان فإنه يمكنهم أخذ البيت وبيعه لدعم السندات. الطمع دائما ما يتحكم بتصرفات البشر ، وطمع المستثمرين دفعهم إلى رهن السندات التي بحوزتهم إلى بنك الانتهاز الدولي باعتبار أنها أصول وذلك مقابل حصولهم على ديون جديدة لاستثمارها في شراء مزيد من السندات . نعم ، لقد قام المستثمرون باستخدام الديون للحصول على مزيد من الديون!!!. وفي هذه المرحلة تساهل بنك الانتهاز الدولي وغيره من البنوك في الأمر لدرجة أنه يمكن استدانة 30 ضعف كمية الرهن . باختصار فإن طامح يعتقد أن بيت بيته، وبنك الرحمة يرى أن البيت ملكه أيضا لأنه مول القرض . المستثمرون مقتنعون أن البيت لهم لأنهم يملكون السندات , وبما أنهم رهنوا تلك السندات ، فإن بنك الانتهاز الدولي يعتقد كذلك أن هنالك بيت في مكان ما يغطي قيمة هذه السندات ، إلا أن المشكلة أن كمية الديون تبلغ نحو 30 ضعف قيمة البيت !!

بما أن قيمة السندات السوقية وعوائدها تعتمد على تقييم شركات التقييم لهذه السندات بناء على قدرة المديون على الوفاء، وبما أنه ليس كل من اشترى البيوت له القدرة نفسها على الوفاء، فإنه ليست كل السندات سواسية. فالسندات التي تم التأكد من أن قدرة الوفاء فيها ستكون فيها أكيدة ستكسب تقدير 'أأأ'، وهناك سندات أخرى ستحصل على 'ب' وبعضها سيصنف على أنه لا قيمة له بسبب العجز عن الوفاء. لتلافي هذه المشكلة قامت البنوك بتعزيز مراكز السندات عن طريق اختراع طرق جديدة للتأمين بحيث يقوم حامل السند بدفع رسوم تأمين شهرية كي تضمن له شركة التأمين سداد قيمة السند إذا أفلس البنك أو صاحب البيت، الأمر الذي شجع المستثمرين في أنحاء العالم كافة على اقتناء مزيد من هذه السندات. وهكذا أصبح طامح وفهمان أبطال الاقتصاد العالمي .

في النهاية، توقف طامح عن سداد الأقساط، وكذلك فعل فهمان  وغيرهم، ففقدت السندات قيمتها، وأفلست البنوك الاستثمارية. أما الذين اشتروا تأمينا على سنداتهم فإنهم حصلوا على قيمتها كاملة، فنتج عن ذلك إفلاس شركات التأمين. عمليات الإفلاس أجبرت البنوك على تخفيف المخاطر عن طريق التخفيض من عمليات الإقراض، الأمر الذي أثر في كثير من الشركات الصناعية وغيرها التي تحتاج إلى سيولة لإتمام عملياتها اليومية، وبدأت بوادر الكساد الكبير بالظهور، الأمر الذي أجبر حكومة البلد على زيادة السيولة عن طريق ضخ كميات هائلة لإنعاش الاقتصاد الذي بدأ يترنح تحت ضغط الديون للاستثمار في الديون!


المسكين طامح ، كان طموحه أكبر من مستواه ، وكان طمع البنوك والمستثمرين لا حدود له ، ترتبت كل الأمور على قدرة المسكين طامح في السداد وعندما عجز عن ذلك انهار الاقتصاد وتسبب في أزمه مالية عالمية!! ، لم يكن له ذنب إلا طموحه البسيط في اقتناء بيت قابله طمع كبير في الربح السهل والسريع من البنوك وشركات التأمين.

القصة منقولة من دكتور .فؤاد الكلباني

إعادة صياغة لما تم طرحه  الدكتور أنس الحجي في شرح الأزمه المالية العالمية

مشاركة على

Unknown

وصف الكاتب هنا

    التعليق بإستخدام حساب جوجل
    تعليقات الفيسبوك

0 التعليقات :

إرسال تعليق